الخطوة الأولى لمعرفة ذلك هي مراقبة الطفل: ما الذي يقوم به بسهولة؟ وما الذي يكافح من أجل عمله؟ وما الذي يسترعي اهتمامه؟ وماالذي يضجره؟ وهل يشعر بسعادة كبيرة عندما يقوم بنشاط جسدي عنيف أم عندما يراقب بهدوء حشرة تمشي على الأرض...؟ هل تدفعه مشكلة فيها تحد للعمل بشكل أكثر جدية الإيجاد حل لها، أم أنه يصاب بالإحباط بحيث يفقد المتعة في العمل...؟ إذا عرف الآباء موقع طفلهم في الوقت الحاضر يمكن لذلك أن يساعدهم على تحديد متطلباته الحالية.
فعلى سبيل المثال: إذا كانت الصورة المفككة المكونة من خمسين قطعة تسبب الإحباط للطفل بحيث يتركها، فإنها لن تستطيع أن تقدم له تجربة تعليمية ممتعة وفعالة. وقد يساعد اقتراح منك لتجريب طريق معينة في تركيبها- دون أن يتضمن الاقتراح حكما على مقدرة الطفل- على إزالة إحباطه وبث الحماسة فيه من جديد. والفكرة هنا هي مساعدة الطفل على الوصول إلى مستوى من الراحة فيما يقوم به، قبل أن نتوقع منه الانطلاق إلى مجال غير مألوف.
عندما تراقبين طفلك فإنك تفعلين ذلك بالطبع من خلال موشور مشاعرك الخاصة، وإذا تجاوزت حدود مراقباتك الخاصة، فإن ذلك يسعادك على فهم أفضل لطفلك، فما الذي يلاحظه المعلمون والمشرفون في الحضانة على تطوره الاجتماعي والتعليمي؟ وما الذي يعتقده طبيبه عن تطوره الجسدي؟ وما هي علاقته بالأطفال الآخرين الذين يماثلونه في العمر؟ وهل يستطيع القيام بكثير من الأشياء التي يستطيع رفاقه القيام بها..؟
يمكن لملاحظات الآخرين بالإضافة إلى ملاحظاتك الخاصة أن تساعد على استكمال الصورة.
دور الطبيعة
من الأهمية بمكان أن يدرك الأبوان أن الطبيعة تلعب الدور الأساسي في التطور، ومهما كانت درجة تطور طفلك بالمقارنة مع الأطفال الآخرين، ينبغي أن تتذكري دوما أن تطور الطفل تابع لتوقيته الذاتي. وعندما تظهر إمكانيات كل طفل ومهاراته بشكل طبيعي، فإنها تهيئه لخبرة تعليمية جديدة، ولا يمكن لأي ضغط أن يجبر الطفل على تعلم شيء لم يتهيأ بعد لتعلمه. ويحدث نمو المهارات الجسدية والفكرية والأجتماعية عند معظم الأطفال في الوقت نفسه تقريبا وفي الترتيت نفسه سواء كانوا يعيشون في أمريكا أم في كينيا أم في باريس.
إن الآباء والمعلمين الذي يدركون دور الطبيعة يدعمون نمو الأطفال دون أن يحاولوا إفساد التطور الطبيعي لهذا النمو، وبينما نجد أن هناك من يقول بأن تعليم القراءة والحساب لاطفال السنتين أمر مفيد، إلا أن الأدلة لا تؤيد هذا الادعاء. ويمكن حث بعض الأطفال في هذه السن على القراءة أو على حساب إحساسهم بقيمتهم الذاتية، فمطالبة الأطفال الصغار بهذه الأشياء تقودهم إلى الاعتقاد بأن تقويمهم يتم بشكل أساسي استنادا إلى مقدرتهم على إنجاز ما يطلب منهم، هذا أسواء الحالات، أما في أحسن الحالات فإن تعليمهم في هذه السن المبكرة لن يجدي نفعا.
في إحدى التجارب التي أجريت التي أجريت عام 1929 في جامعة بيل، والتي كثيرا ما يستشهد بها، اختيرت مجموعة من الأطفال من توائم بحيث أخذ توءم واحد فقط من كل توءمين، ودربوا على صعود ونزول درجات السلم. وكانت النتيجة كما هو متوقع أن التوائم الأخرى التي لم تدرب أخذت تصعد وتنزل الدرجات بالكفاءة نفسها عندما وصل تطورها الجسدي بشكل طبيعي إلى التناسق المطلوب للقيام بهذه العملية. ووجد الباحثون أن الوقت والجهود التي بذلت في تدريب التوائم لم تكن لها أية فائدة، ولا أحد يعلم ماهي النشاطات الأكثر فعالية التي كان من الممكن أن يشغل بها هؤلاء الأطفال في الوقت الذي أضاعوه في التدريب.
وبينما نجد أن مقدرات الطفل يمكن أن تظهر في أوقات تختلفة، إلا أن التطور يتم حسب نموذج ثابت تقريبا. ويستند معظم ما نعرفه اليوم عن مراحل التطور الطبيعي عند الأطفال إلى عمل العالم النفسي السيويسري جان بياجية، الذي بدأ عمله في بداية هذا القرن.
ابتدأ بياجيه عمله متخصصا في علم الأحياء وما لبث أن تحول اهتمامه إلى علم النفس، إلا أن تخصصه في العلوم كان راسخا، ومن حيث إنه عالم في الأحياء فقد كان ينظر إلى الرضع على أنهم كائنات حية تتكيف مع بيئتها التي تمثل العالم. واكتشف بياجيه طريقتين يستطيع الرضع بواسطتهما التكيف: فهم يستطيعون استخدام صعبة التطبيق في بعض الحالات فبإمكانهم تغيير الصورة وطرق التفكير. وقد أطلق بياجيه على الطريقة الأولى اسم "التشابه" وعلى الثانية اسم "التكيف".
فعلى سبيل المثال يستطيع الطفل حديث الولادة القيام بحركات المص بشفتيه، وبتطبيق هذا العمل على أي شيء في بيئته مثل صدر أمه أو مصاصة الزجاجة، فإنه يتعلم المص من أجل الحصول على الغداء. ويقول بياجيه إن هذا الرضيع يشابه بين الحلمة وحركة المص. وإذا كانت الحلمة كبيرة جدا فإنه يتعلم ضغط شفتيه بصورة مختلفة، أي إنه يغير طريقته تجاه بيئته مت أجل التعامل مع الشيء الجديد.. وهذا هو التكيف.
يعد التشابه والتكيف، أي تقبل المعرفة والتجاوب معها استنادا إلى بياجيه، الطريقتين الأساسيتين اللتين يستخدمها الناس لإعطاء التجارب الجديدة معنى.. أي للتعلم وتستمران طوال حياتنا، إلا أننا نتعلم بطريقة مختلفة كلما تقدمنا في العمر، فنحن نشق طريقنا عبر أربع مراحل من التطور بحيث نتعلم في كل مرحلة حسب مقدرتنا.